دراسة تأليفية مبسطة حول الطابع القصصي في رسالة الغفران لتلاميذ الرابعة آدابا
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران
هومن ناظميان٭
الملخص
تعتبر رسالة الغفران من أقدم نماذج التراث القصصي العربي التي طالما
ظلمها النقاد
القدامي وکانت شبه منسية حتي أوائل القرن العشرين، لأن کثيرا من الأدباء
والنقاد
اتهموا أبا العلاء المعريفي دينه وبالاستخفاف بالمعتقدات الإسلامية في
هذه الرسالة
وتنقصوا من قيمتها حيث أدي إلي عدم اکتراث الدارسين بها لمدة زهاء تسعمائة
سنة. انتبه النقاد العرب إلي أهميتها منذ اهتمام المستشرقين بها والمقارنة
بينها وبين
الکوميديا الإلهية لدانتي. تهدف هذه المقالة إلي دراسة الجانب القصصي
لهذه الرسالة
علي علم بأن رسالة الغفران ليست القصة بالمعني الذي نفهمه اليوم ولکنها
تتمتع
بميزات قصصية جديرة بالاهتمام ونهدف إلي استکناهها في هذا المجال ولهذا
ندرس
الطابع القصصي فيها عبر بنيتين: البنية القصصية والبنية الفکرية والعقائدية.
البنية
القصصية في رسالة الغفران تتکون من سبعة أجزاء: السرد، والحبکة، والحدث،
والبطل، والحوار، والزمان والمکان. تتمحور البنية العقائدية حول شفاعة
أهل
البيت(ع) والتوسل بهم للتخلص من أهوال الحشر والسخرية من صناعة الشعر
والأدب التي لاتنفع في الآخرة إلا إذا کانت في سبيل الله.
الکلمات الدليلية: أبوالعلاء المعري، رسالة الغفران، البنية القصصية،
البنية العقائدية.
المقدمة
تعتبر رسالة الغفران من أشهر ما بقي من التراث العربي في العصر العباسي
وهذه
الشهرة مدينة لاهتمام المستشرقين والنقاد الأروبيين بهذه الرسالة ودراساتهم
حولها
والمقارنة بينها وبين الکوميديا الإلهية لدانتي خاصة عندما هزّ العالم
الأدبي في أروبا
مستشرق أسباني اسمه (القس ميجويل أسين بلاثيوس) بنظريته القائلة بأن
دانتي اقتبس
کوميدياه الإلهية من أصول عربية في مقدمتها قصة المعراج ورسالة الغفران.
أحدثت هذه
النظرية دويا في الغرب ووصل صداه إلي الشرق العربي ومن ثم انتبه الدراسون
العرب
( إلي رسالة الغفران بعد زهاء تسعمائة سنة. (بنت الشاطئ، ١٩٨٣ م:
٩
يرجع سبب إهمال النقاد القدامي لهذه الرسالة إلي الاتهامات التي وجهها
أعداء
أبي العلاء وحساده إليه خاصة بعد کتابة الرسالة؛ حيث ادعي بعض أنه سخر
من
المعتقدات الإسلامية فيما يتعلق بالحياة الآخرة والجنة والجحيم وادعي
بعض آخر أنه
دافع عن الشعراء الزنادقة وبرّرهم وتحدث عن المغفرة لهم وأخذ عليه فريق
آخر حکمه
علي مصاير الشعراء في الآخرة موزعين بين الجنة والنار ووصفوا قصة الرسالة
بأنها
قصة جريئة خلط فيها الجد بالهزل. أدت العداوة والبغضاء إلي أنهم کانوا
يعتقدون بأن
لعن أبي العلاء المعري للزنادقة کانت من قبيل الکيد والرئاء وأنه کان
بنفسه زنديقا
(٦٧- وملحدا. (بنت الشاطئ،
١٩٨٣ م: ٦٩
وفي القرن التاسع عشر بدأ اسم رسالة الغفران يتردد في الأوساط الأدبية
الأوروبية
مقترنا باسم الکوميديا الإلهية لدانتي علي سبيل لمح شبه بينمها أولا
ثم علي سبيل
المقارنة المنتهية إلي أن دانتي متأثرا بأبي العلاء وأول من عرّف هذه
الرسالة المستشرق
الإنکليزي نيکلسون في المجلة الأسيوية الملکية يوليو ١٨٩٩ م وکان النص
الذي نشره
نيکلسون سنة ١٩٠٢ م، النص الذي اعتمد عليه في دراسته، المستشرق الإسباني
القس
أن أصولا إسلامية » "ميجويل أسين بلاسيوس" الذي نشرها في مدريد
سنة ١٩١٩ م وقرر
وأحدثت الدراسة دويا في «. من بينها رسالة الغفران، قد کوّن أسس الکوميديا
الإلهية
الأوساط الأوروبية وأخذت رسالة الغفران من ذلک الحين مکانها في دراسات
النقاد
( بنت الشاطئ، ١٩٦٥ م: ٤٢٣ و ٤٢٤ ) «. العرب
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ١٩٣
وهکذا نري أن أبا العلاء المعري تعرض لتهمة الزندقة والإلحاد لأنه تجرأ
علي تخيل
الحياة الآخرة وکان أول من کتب في الأدب العربي رحلة خيالية إلي الجنة
والجحيم
تصور فيها مصير بعض الشعراء واللغويين في الجنة والنار. فلم يهتم بالرسالة
کثير من
النقاد والدراسين العرب خلال القرون السالفة لأن صاحبها کان متهما في
دينه في رأي
البعض. تشير بنت الشاطئ إلي نقطة لطيفة تبين لنا البون الشاسع بين کيفية
اهتمام
النقاد والدارسين الأروبيين بآثارهم الأدبية المتخيلة و بين ردود فعل
النقاد والدراسين
إن کوميديا دانتي » : في العالم الإسلامي والعربي في القرون السالفة
إزاء مثل هذه الآثار
علي ما في إسمها من جفوة قد تجرح الحس المؤمن قد بارکها رجال الدين المسيحي
وترنم بها القسس والرهبان ورآها بعض النقاد المسيحيين شعرا تعليميا أخلاقيا
يطلع
الإنسان علي الآثار البشعة للخطيئة ويرشده إلي خير الدنيا والآخرة. فما
بالهم قد
اتهموا رسالة الغفران وما دخل جنتها شاعر إلا سئل بم غفر له ومن هنا
أخذت اسمها
وفرق بعيد بين أن تحمل الرحلة الوجدانية إلي العالم الآخر اسم رسالة
الغفران وبين أن
( بنت الشاطئ، ١٩٨٣ م: ٧٧ ) «. تحمل اسم الکوميديا الإلهية
الدراسات السابقة
رغم أن أبا العلاء المعري حظي بعناية الدارسين في العالم العربي، غير
أن معظم
هذه الدراسات تتمحور حول أفکاره، وفلسفته، وتشاؤمه، وقدراته اللغوية
والأدبية
أو أسلوب نثره وقلما نجد دراسة أو بحثا علميا أو جامعيا ترکز علي الجانب
القصصي
لرسالة الغفران. وجدنا بعض مقالات اهتمت بهذا الجانب مثلا:
١. بنت الشاطئ، عائشة
عبدالرحمن، جديد في رسالة الغفران، بيروت: دارالکتاب العربي.
التراث ،« تجليات المکان في رسالة الغفران » ،( ٢. محبک، أحمد زيات،
( ١٤٢٠ ق
. العربي، العدد ٧٨
تحول الرسالة وبزوغ شکل قصصي في رسالة » ،( ٣. الروبي، ألفت کمال، (
١٩٩٤ م
. الفصول، العدد ٥١ ،« الغفران
حوليات ،« بطولة ابن القارح في رسالة الغفران » ،( ٤. العجمي، مرسل فالح،
( ١٩٩٧ م
کلية الآداب، جامعة الکويت، الحولية السابعة عشرة.
١٩٤ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
وعلي صعيد البحوث العلمية في بلادنا قلما اهتم الدارسون الجامعيون إلي
أبي العلاء
المعري ويمکن أن نشير إلي هذه النماذج:
مجلة العلوم ،« الخيام والمعري بين التشاؤم والتفاؤل » ( ١. خزعلي، إنسيه،
( ١٤٢٧ ق
. الإنسانية، العدد ١٣
أثر أبوالعلاء المعري في الشعر العربي » ( ٢. نيازي، شهريار وحسين گلي،
( ١٣٩٠ ش
. ادب عربي، سال سوم، شماره ١ ،« المعاصر
مقايسه نگاه ارداويراف نامه ورسالة الغفران » ، ٣. محمدي، گردآفرين وجليل
نظري
. ادبيات تطبيقي، سال دوم، شماره ٨ ،« در دنياي پس از مرگ
وجدير بالذکر أن هذه الدراسات لم تفرد للقصة وعناصرها في رسالة الغفران
اهتماما
خاصا ولم تدرس الطابع القصصي فيها دراسة بنيوية کما فعلنا في هذا المجال
بل درست
بعض جوانب للقصة فيها أو درست بصورة کلية.
رسالة الغفران
انقسمت الکتابة النثرية في العصور الوسطي إلي قسمين کبيرين: کتابة رسمية
يقوم
بها الکتاب الرسميون الموظفون والقسم الثاني الکتّاب الأدباء کما أن
مصطلح الرسالة
کانت تستخدم أحيانا علي بعض الرسائل ذات الشکل القصصي ومما يجدر الإنتباه،
وجود نوع من التلازم بين الرسالة والقصة قبل ظهور رسالة الغفران أو رسالة
التوابع
( والزوابع. (الروبي، ١٩٩٤ م: ٧٢
أملي المعري رسالة الغفران بمعرة النعمان حوالي سنة ٤٢٤ ردا علي رسالة
تلقاها من أديب حلبي کان يدعي ابن القارح علي بن منصور الحلبي ومن ثم
تأخذ
رسالة الغفران صورة رسالة إخوانية من الرسائل الطوال التي تجري مجري
الکتب
المصنفة لکنها تستهل بمقدمة غير مألوفة، يستطرد فيها المعري إلي رحلة
خيالية في العالم
الآخر ويسوق إليها إبن القارح ويوجهه نحو الجنة والنار. کتب أبوالعلاء
هذه الرسالة
في ظروف نفسية کئيبة حيث أملاها بعد فشله في معرکته مع الدنيا وانطوي
علي نفسه
( محزونا يلتمس راحة اليأس. (بنت الشاطئ، ١٩٨٣ م: ٤٧ و ٤٨
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ١٩٥
وانصرف المعري في معظم کتاباته إلي القضايا اللغوية والأدبية بحيث انصرف
معني
الرسالة إلي معني علمي فإنه کان يميل إلي القصة. (الروبي، ١٩٩٤ م: ٧٢
) تنقسم رسالة
الغفران إلي قسمين: القسم الأول ذو الطبع القصصي الذي نهمنا في هذا المجال
والقسم
الثاني هو أجوبة أبي العلاء إلي الأسئلة التي طرحها ابن القارح ويمکن
إعتبارها رسالة
إخوانية مطولة تجري مجري الکتب المصنفة، تبدو في هذا القسم شخصية أبي
العلاء العالم
( اللغوي والناقد الأدبي والاجتماعي لعصره. (بنت الشاطئ، ١٩٦٥ م:
٤٣٤
الطابع القصصي في رسالة الغفران
وقبل أن نتطرق إلي صلب الموضوع يجب أن ننبه إلي نقطة وهي أننا لا ندعي
أن
رسالة الغفران قصة بالمعني الذي نفهمها اليوم؛ لأن القصة في رسالة الغفران
وسيلة لطرح
الآراء الأدبية والنقدية لأبي العلاء علي لسان ابن القارح في حواره ونقاشه
مع الشعراء
في الجنة والجحيم حول قضايا أدبية ونقدية. لکن هذه الرسالة تتمتع بميزات
قصصية
جديرة بالإهتمام والتي ندرسها في هذا المجال. بإمکاننا أن نقسم الطابع
القصصي في
الرسالة إلي بنيتين: أولا البنية القصصية وهي تتکون من معظم عناصر القصة
کالسرد،
والحبکة، والبطل، والحوار، والزمان والمکان وثانيا البنية الفکرية والعقائدية.
البنية القصصية
خلاصة القصة
بإمکاننا أن نقسم قصة الغفران إلي أربعة أجزاء: في الجزء الأول يأتي
المعري بمقدمة
حول أنواع مظاهر الجمال واللذة في الجنة ويذکر أسماء من اللغويين والنحاة
الذين
دخلوا الجنة ولم يبق بينهم شئ من الخصومات والأحقاد التي کانت في قلوبهم
في
الدنيا حول قضايا نحويه وأدبية و لغوية. وفي الجزء الثاني يدور الحوار
بين ابن القارح
وبعض الشعراء الذين غفر لهم ودخلوا الجنة. وفي الجزء الثالث يدخل ابن
القارح جنة
العفاريت ويتحدث إلي أدبائهم و يسألهم عن بعض قضايا أدبية وفي الجزء
الرابع يدخل
الحجيم حتي يتکلم مع الأدباء المعذبين في النار وفي الجزء الأخير يرجع
إلي الجنة
ويواصل جولته ويستمتع بلذاتها حتي يشعر بالتعب ويخلد إلي الإستراحة.
١٩٦ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
السرد
السرد أو العرض القصصي عبارة عن طريق يخاطب به القاص القراء أو السامعين
ويروي لهم قصته وله أهمية بالغة في هيکل القصة. يستطيع الکاتب أن يستعين
بطرق
مختلفة لرواية قصته؛ فإما أن يروي القصة من داخلها أو من خارجها علي
لسان أحد
الشخصيات الأصلية أو الفرعية أو علي لسان شاهد لم يشارک نفسه في الأحداث
وإما أن يرويها مباشرة ويمکن أن يکون القاص البطل الرئيسي للقصة أيضا
أو يضع
نفسه ضمن الشخصيات الفرعية وهذا الطريق يساعده في أن يشرح للقارئ أفکار
( ١٣٧ ؛ نجم، ١٩٧٩
م: ٧٧ و ٧٨ - الشخصيات وأحاسيسهم. (ايراني، ١٣٦٤ ش: ١٥٥
وفي رأي النقاد رواية القصة علي لسان بطل خاض أحداث القصة من أقوي أنواع
العرض القصصي لأن هذا الراوي بمثابة شاهد أمين بإمکانه أن ينقل لنا حقائق
القصة.
(فرزاد، ١٣٨١ ش: ١٤٦ ) وهذه الطريقة استغلها المعري حيث روي أحداث القصة
بعض الأحيان علي لسان ابن القارح الذي شارک أحداثها. في السرد الخارجي
يتنحي
السارد جانبا ويقود الشخصيات إلي الحديث عما يريده وفق مفهوم الرواية
المتعددة
الأصوات مما يتيح له المجال إلي الوصف المطول ليقول ما يشاء علي لسان
أي شخصية
أو في إطار الوصف – الحوار. (جمعة، ١٤٢٤ ق: ٢٧ ) ونواجه السرد بنوعيها
الداخلي
والخارجي في رسالة الغفران؛ حيث السارد الداخلي ظهر في شخصية ابن القارح
مما
جعل ضمير المتکلم أو الغائب يظهر کثيرا علي لسانه والسارد الخارجي يمثله
أبوالعلاء
وأنه يتولي عملية الشرح والوصف. (المصدر نفسه: ٢٩ ) وهذه الطريقة تمکن
المعري من
التصريف ببطل قصته کما يشاء و أن يشرح ما يريد من الآراء والمعتقدات
علي لسانه.
والعرض في رسالة الغفران يعتمد أساسا علي الحرکة والحوار و کثيرا ما
تصحبه
موسيقا تصويرية من الشعر المعبر عن المشهد المشخص أو الممهد له؛ فمشهد
الصيد مثلا
يبدأ بإنشاد قصيدة لعدي بن زيد في رحلة صيد يعقبها انطلاق عدي وابن القارح
علي
نجيبين من نجب الجنة إلي حيث تبدو لهما خيطان النعام وأسراب الظباء.
(بنت الشاطئ،
( ١٩٦٥ م: ٤٣٣ و ٤٣٤
الحبکة
تطلق اللفظة علي إطار القصة أو سلسلة العلل والأسباب التي تربط الأحداث
وتنسقها
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ١٩٧
تنسيقا منطقيا حيث تحدث کل حادثة بشکل منطقي لأن تکون نتيجة لما حدث
قبلها و
٦١ ) وبعبارة أخري الحبکة
- تسبب لحادثة التي تحدث بعدها. (ميرصادقي، ١٣٨٠ ش: ٨٠
هي الخريطة أو إطار الأحداث الذي يبين سبب وقوعها وتنقسم إلي أنواع منها:
الحبکة
المفککة والحبکة المتماسکة. وفي النوع الأول لاتعتمد العمل القصصي علي
تسلسل
الأحداث ولکن علي البئية أو الشخصية الأولي والنوع الثاني تقوم علي حوادث
مترابطة
تسير في خط مستقيم حتي تبلغ مستقرها. (نجم، ١٩٧٩ م: ٧٣ و ٧٤ ) وأما من
جانب آخر،
فتنقسم إلي البسيطة و المرکبة؛ الحبکة البسيطة تبني علي حکاية واحدة
والحبکة المرکبة
مبنية علي حکايتين أو أکثر. (المصدر نفسه: ٧٥ و ٧٦ ) والحبکة في رسالة
الغفران بسيطة
لأنه تعتمد علي حکاية واحدة وهي تجول إبن القارح في الجنة والجحيم والحبکة
فيها
متماسکة لأنها تقوم علي حوادث مترابطة تسير في مسير حتي تبلغ نهايتها
وغايتها.
- تتکون الحبکة في رسالة الغفران من خمسة عناصر: ١- العقدة الفنية
٢- الصراع ٣
التعليق أو المماطلة ٤- الأزمة ٥-حل العقدة ندرسها في رسالة الغفران.
العقدة الفنية
وهي عبارة عن مشکلة أو ظروف صعبة تطرأ فجأة وتجعل البطل أو الأبطال
في موقع حرج وهذه الظروف تدفعهم إلي بذل الجهود لحل المشکلة والتخلص
منها.
(ميرصادقي، ١٣٨٠ ش: ٧٢ ) العقدة في رسالة الغفران بسيطة وليست معقدة
غالبا. بإمکاننا
أن نقسم العقدة فيها إلي نوعين: العقدة الرئيسية وهي تتجلي في السؤال
الرئيسي الذي
شغل بال ابن القارح حول سبب غفران بعض الشعراء وإن کانوا يعيشون في الجاهلية.
والنوع الثاني العقدة الفرعية وهي تتمثل في موقع حرج وقع فيه ابن القارح
عندما
لمّا نَهضتُ » . فقد وثيقة توبته في المحشر وکان يحاول أن يدخل الجنة
و لقي صعابا کثيرة
أنتَفِضُ مِن الرَيم وحَضَرتُ حَرَصاتِ القَيامة... فَطالَ عَلي الأمَدُ،
واشتّدَ الظَمأ و الوَمَد...
وأنا رجُل مِهياف أي سريع العطش ... ولقيني المَلَک الحَفيظ مما زبرَ
لي من فعل الخير
فوجدتُ حسناتي قليلة کالنُفَأ في العام الأرمل والنفأ الرياض والأرمل
قليل المطر إلا
أن التوبة في آخرها کأنها مصباح أبيل رُفِع لسالک سبيل. فلما وَقفتُ
في المَوقِف زهاء
شهر أو شهرين وخِفتُ في العرَق من الغرق، زَينت لي النفس الکاذبة أن
أنظم أبياتا في
١٩٨ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
( المعري، ١٩٩٣ م: ٢٤٩ ) «... رضوان خازن الجنان
ويحاول ابن القارح أن يمدح "رضوان" ملک الجنة بقصائد کما هو
عادة الشعراء في
الدنيا لدي استعطاف الممدوح واستغاثته ولکن لا يعتني به "رضوان"
ولا يولي لمدائحه
أنا رجل » : وزنا لأنه لايعرف الشعر و لايهمه وابن القارح لايزال يلتمسه
العون والعناية
لاصبر لي علي اللُواب- أي العطش- وقد استطلتُ مدة الحساب ومعي صک بالتوبة
وهي للذنوب کلها ماحية وقد مدحتُک بأشعار کثيرة ... وأنا ضعيف مَنين
ولاريب أني
ممن يرجو المغفرة وتَصحّ له بمشيئة الله تعالي، فقال: إنک لغبين الرأي،
أتأمل أن آذن لک
المصدر نفسه: ٢٥٠ و ٢٥١ ) وهکذا يخيب ) «. بغير إذنٍ من رَب العزّة ؟
هيهات هيهات
ابن القارح من استرضاء "رضوان" بإنشاد قصائد، فيبذل قصاري
جهوده لاستعطاف
ملک آخر يدعي "زُفَر" ولکن دون جدوي.
الصراع
يعني التضاد والمجابهة التي تنشأ بين البطل والعراقيل التي تحول دونه
وله أنواع
مختلفة حسب المتصارعين کالصراع بين البطل والعوامل الداخلية مثلا بينه
وبين أفکاره،
ومعتقداته، وأحاسيسه وعواطفه أو بين البطل والعوامل الخارجية من الظروف
البيئية
والاجتماعية والثقافية. (ميرصادقي، ١٣٨٠ ش: ٧٣ ) في رسالة الغفران نري
الصراع
بين ابن القارح وبعض خزنة الجنة بغية دخول الجنة دون إذن الله تعالي،
والصراع بين
بعض الشعراء حول قضايا أدبية، لغوية ونحوية. يمکن الإشارة إلي منافرة
بين نابغة
و يقول نابغة بني جعدة وهو » !! الجعدي والأعشي حيث تشاجرا وتفاحشا في
الجنة
جالس يستمع: يا أبابصير أ هذه الرباب التي ذکرها السعدي هي ربابُک التي
ذکرتها
في قولک؟... فيقول أبو بصير قد طال عمرک يا أباليلي وأحسبک أصابک الفَنَد
فبقيتَ
علي فَنَدک إلي اليوم، أما علمتَ أن اللواتي يسمّينَ بِالرَباب أکثر
من أن يحصَين... فيقول
"نابغة بني جعدة" أتکلّمني بِمثل هذا الکلام يا خليع بني ضُبَيعة
وقد مُتَ کافرا وأقررتَ
علي نفسک بالفاحِشة وأنا لقيتُ النبي (ص)... فقال إلي أين يا أبا ليلي؟...
أغرّک أن
عدّک بعض الجهال رابع الشعراء الأربعة ... وإني لأطول منک نفسا وأکثر
تصرفا...
فيغضب "أبو بصير" فيقول أتقول هذا وإن بيتا مما بنيتُ ليعدل
بمائة من بنائک... فيقول
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ١٩٩
المعري، ) «.. "الجعدي" اُسکت يا ضُلَّ بنَ ضُلّ فاُقسم أن
دخولک الجنة من المنکرات
٢٢٧ ) فتشتد الأزمة بينهما
حيث تجاوز الإفحاش والإقذاع إلي الضرب - ١٩٩٣ م: ٢٣٠
المصدر ) «... ويثِب "نابغة بني جعدة" علي "أبي بصير"
فيضربه بکُوز من ذَهَب » : و الشتم
نفسه: ٢٣١ ) ويضطر ابن القارح أن يتدخل ويتوسط حتي يحل المشکلة ويصلح
مافي
بينهما. ونموذج آخر عراک أبي بين بعض الشعراء وأبي علي الفارسي في المحشر
حول
( قضايا نحوية وکيفية رواية أشعارهم. (المصدر نفسه: ٢٥٤ و ٢٥٥
التعليق والمماطلة
تظهر في القصة عندما يطول الصراع بين البطل والعوامل المضادة حيث يقف
القارئ
أو الطامع إلي جانب أبطال القصة ويتبع الأحداث ويزداد رغبة في معرفة
النهاية ومصير
٣١ ؛ يونسي،
- الأبطال وهو عنصر هام من عناصر التشويق. (پراين، ١٣٦٨ ش: ٤٣
١٣٧٩ ش: ٤٦٨ و
٤٦٩ ) إذن التعليق نتيجة الصراع، يبدو أن أروع مثال للتعليق في
رسالة الغفران يظهر عندما يحاول ابن القارح أن يتوسل بأولياء الله للدخول
في الجنة
فَيئِستُ مما عنده فجعلتُ أتخلّلُ العالَم فإذا أنا » :" بعد خيبة
أمله عند "رضوان" و "زُفَر
بِرجُلٍ عليه نورٌ يتلألأ وحواليه رجال تأتَلِق منهم أنوار فقلتُ مَن
هذا الرجل؟ فقيل:
هذا"حمزة عبدالمطلب" صريع "وحشي" وهولاء الذين حوله
من استشهد من المسلمين في
"أحد" فقلتُ لنفسي الکذوب: الشعر عند هذا أنفق منه عند خازن
الجنان لأنه شاعر و
إخوتُه شعراء وکذلک أبوه وجَدُّه ... فعَمِلتُ أبياتا علي وجه أبيات
"کعب بن مالک" التي
رثي بها "حمزة" ... فناديتُ يا سيد الشهداء! يا عمّ رسول الله!
يا ابن عبدالمطلب! فلمّا
أقبل عليه بوجهه أنشدته الأبيات فقال: ويحک! أفي مثل هذا الموطن تجيئني
بالمديح؟
المعري، ١٩٩٣ م: ٢٥٢ و ٢٥٣ ) ولکن
) B لِکُلِّ امرِئٍ يومَئِذٍ شَأنٌ يغنِيه
C أما سَمعتَ الآية
فقال: إني لاأقدر علي » ( حمزة (ع) لايستطيع إغاثته فيحيله إلي علي ين
أبي طالب (ع
ما تطلب و لکني اُنفِذُ معک تَورا أي رسولا إلي ابن أخي "علي بن
أبي طالب" (ع)
ليخاطب النبي (ص) في أمرک. فَبعثَ معي رجُلا، فلمّا قصّ قصتي علي أمير
المؤمنين
(ع) قال: أين بينتک؟ يعني صحيفة حسناتي (المصدر نفسه: ٢٥٤ ) لکن ابن
القارح فَقد
صک توبته في المحشر فطلب منه الإمام علي (ع) شاهدا علي توبته.
٢٠٠ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
الأزمة
مرحلة حاسمة تتشابک فيها العناصر المضادة ونتيجة هذه الإحتکاکات تسفر
عن
تغيير جذري في مسار القصة ومصير الأبطال ويمکن أن تعدد الأزمات حسب طول
الحبکة. (ميرصادقي، ١٣٨٠ ش: ٧٦ ) نواجه الأزمة عندما فقد ابن القارح
صک توبته
فقال أمير المؤمنين (ع): لاعليک، ألک » : في المحشر وعليه أن يأتي بشاهد
علي توبته
شاهد بالتوبة فقلتُ نعم، قاضي حلب و عدولها، فقال: بِمَن __________يعرَف
ذلک الرجل؟ فأقول:
بِعبدالمنعم ابن عبدالکريم قاضي "حلب"-حرسها الله- في أيام
"شِبل الدولة" فأقام
هاتف يهتف في الموقف: يا عبدالمنعم بن عبدالکريم ، قاضي حلب في زمان
شبل الدولة،
هل معک علم في توبة علي بن منصور ابن طالب الحلبي الأديب؟ فَلَم يجِبه
أحد.
فأخذني الهَلَع والقِلّ أي الرعدة ثم هتف الثانية فلم يجبه مجيب فَليح
بي عند ذلک- أي
( المعري، ١٩٩٣ م: ٢٥٦ ) «. صُرعت إلي الأرض
حل العقدة
آخر عناصر الحبکة وهو عبارة عن مرحلة تنحل فيها العقد و الألغاز ويتضح
مصير
الأبطال سواء کان خيرا أم شرا ويرضي القارئ أو المخاطب باطلاعه عليه.
يجئ الحل
في الحقيقة نتيجة لما حدث من قبله و يجب أن يکون نتيجة منطقية لما مضي.
(ميرصادقي،
١٣٨٠ ش: ٧٧ ؛ يونسي،
١٣٧٩ ش: ٢٤٩ و ٢٥٠ ) الحل هنا بسيطة وسريعة ويظهر عندما
فأجابه قائل يقول نعم قد شهدتُ توبة » يجيب قاضي حلب ويؤکد علي أنه شهد
توبته
علي بن منصور وذلک بِأخَرَةٍ من الوقت وَضرت متابَه عندي جماعة من العُدول...
( المعري ، ١٩٩٣ م: ٢٥٦ ) «. فعندها نَهضتُ وقد أخذتُ الرَمق
فلمّا خَلصتُ مِن » : لکن الأزمة لا تنتهي بأکملها بل تعود مرة أخري
عند الصراط
تلک الطُموش، قيل لي: هذا الصراط فاعبُر عليه، فوجدتُه خاليا لاعَريبَ
عنده فَبلَوتُ
المصدر نفسه: ٢٦٠ ) فجاء الحل سريعا عندما ) «. نَفسي في العبور فوجدتُني
لا أستَمسِک
فقالت "الزهراء" صلي الله عليها لجارية من جواريها: يا »
( ساعدته فاطمة الزهراء (س
فلانة أجيزيه، فجعلَت تُمارِسني وأنا أتساقط عن يمين وشمال.... فتَحمِلُني
وتجوز کالبرق
المصدر نفسه: ٢٦١ ) ومرة أخري يواجه ابن القارح الأزمة حينما يمنع )
«. الخاطف
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ٢٠١
فلمّا صرت إلي باب الجنة قال لي "رضوان" » "رضوان"
من دخوله لأنه لايملک الجواز
: هل معک من جواز؟ فقلت لا. فقال لاسبيل لک إلي الدخول إلا به. فَبعلِتُ
بالأمر
وعلي باب الجنة من داخل شجرة صفصاف. فقلتُ أعطني ورقة من هذه الصفصافة
حتي
أرجع إلي الموقف فآخذ عليه جوازا. فقال لا أخرج شيئا من الجنة إلا بإذن
من العَلي
المصدر نفسه: ٢٦١ و ٢٦٢ ) والحل أيضا يأتي بسرعة بمساعدة ) «. الأعلي
تقدس وتبارک
والتفت "إبراهيم" صلي الله عليه فرآني وقد تخلّفتُ عنه فرجع
» ( إبراهيم خليل الله (ع
( المصدر نفسه: ٢٦٢ ) «. إلي فجَذبَني جَذبة حَصّلني بها في الجنّة
الأبطال
هناک أنواع متعددة من الشخصيات واقعية أو خيالية أو کلاهما، إنسانية
أو حيوانية
أو من جمادات. بعض الشخصيات ثابتة لاتتغير طوال القصة وبعض نامية تتغير
وتتطور
حسب الظروف والأحداث. والشخصيات المسطحة لايدخل القاص في طياتها ولايعرضها
عرضا معمقا بل عرضا سطحيا عابرا ولاتؤثر فيها الحوادث ولاتتغير طوال
القصة.
(غنيمي هلال، ١٩٧٣ م: ٥٦٥ و ٥٦٦ ؛ نجم، ١٩٧٩ م: ١٠٣ و ١٠٤ ) ويعتمد
الکاتب في
رسم شخصيات قصته إلي طريقتين: الطريقة المباشرة أو التحليلة والطريقة
غير المباشرة
أو التمثيلية. وفي الطريقة الأولي، يرسم شخصياته من الخارج يشرح عواطفها،
وأفکارها،
وأحاسيسها ويعقب علي تصرفاتها وکثيرا ما يعطينا رأيه فيها وفي الطريقة
الثانية ينحّي
( نفسه جانبا ويسمح للشخصية أن تکشف بنفسها عن ما في ضميرها. (نجم،
١٩٧٩ م: ٩٨
والبطل الرئيسي في رسالة الغفران هو ابن القارح وبرز في الرسالة بصورتين
متميزتين؛ في القسم الأول ظهر في صورة تقترب إلي صورة البطل بالمعني
الروائي
الحديث لأنه البطل المرکزي الذي تتمرکز حوله کل الشخصيات والأحداث في
هذا
القسم القصصي وإنه منفعل هنا لأن أبا العلاء استخدمه قناعا يعبر به عن
آرائه وأفکاره.
(العجمي، ١٩٩٧ م: ٢٣ ) أدخل ابن القارح الجنة مرتين عن طريقين مختلفين؛
المرة الأولي
أدخل بسبب رسالته التي بعثها إلي أبي العلاء وأخبرنا أبوالعلاء عن هذا
الدخول في
بداية الرسالة، أما المرة الثانية فيخبرنا ابن القارح نفسه عندما بعث
بعد الموت ويتحدث
لنا عن مروره علي الصراط ومعاناته يوم الحشر ويخبرنا هذه المرة عن توبته
في الدنيا
٢٠٢ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
وأنه أشهد علي هذه التوبة جماعة من العدول وهذا تصرف غريب من رجل مسلم
يعيش
( في بيئة إسلامية. (المصدر نفسه: ٥٩
يبدأ المعري رحلة ابن القارح في الجنة بذکر أسماء عدد من اللغويين والنحاة
الذين
وقد اصطفي ندامي من ...» : يعرفّونهم کندامي ابن القارح في الجنة من
أدباء الفردوس
أدباء الفردوس کأخي ثمالة وأخي دوس ويونس بن حبيب الضبي... فهم کما جاء
في
الکتاب العزيز: ونَزَعنا ما في صُدورهم مِن غِلّ إخوانا عَلَي سُرُرٍ
مُتقابلين لايمسُّهم فيها
نَصَب وما هُم منها بِمُخرَجين ... وأبو بِشر عَمرو بن عُثمان سيبويه
قد رُخصت سويداء
قلبه من الضغن عَلَي عَلِي بنِ حَمزة الکسائي وأصحابه لما فعلوا به في
مجلس البرامکة
( المعري، ١٩٩٣ م: ١٦٩ و ١٧٠ ) «...
ويمکن تقسيم الأبطال والشخصيات الثانوية في هذه الرسالة إلي ثلاثة أقسام
رئيسة:
الف- الشخصيات الإنسانية وتشمل أنواعا:
١- أولياء الله في المحشر والجنة: الرسول الأکرم (ص)، والإمام علي (ع)،
وفاطمة
الزهراء (س)، وحمزة سيد الشهداء (ع)، وآدم أبوالبشر (ع)، وإبراهيم خليل
الله (ع).
٢- اللغويون والنحاة
في الجنة: أبوالعباس المبرد، وابن دريد، ويونس بن حبيب،
والأخفش الأوسط، وأبوالعباس المعروف بثعلب، ومحمد بن يزيد، وسيبويه،
والکسائي
، وأبوعبيدة معمر بن المثني، والأصمعي.
٣- الشعراء في الجنة:
الأعشي، وزهير بن أبي سلمي، وعبيد بن الأبرص، وعدي بن
زيد، وأبوذؤيب الهذلي، والنابغة الذبياني، والنابغة الجعدي، ولبيد بن
ربيعة، وحسان بن
ثابت، وتميم بن مقبل العجلاني، وعمرو بن أحمر الباهلي، ومعقل بن ضرار
الشماخ، وعبيد
بن الحصين، وحُمَيد بن ثور، وجِران العَود النُمَيري، والحطيئة، والخنساء،
وشعراء الرجز:
رؤبة، والعجّاج، وأغلبُ بني عِجل، وأبوالنجم، وحُمَيد الأرقط، وعُذافِر
بن أوس، وأبونُخَيلة.
٤- الشعراء في الجحيم:
امرؤالقيس، وبشار بن برد، وعنترة بن شداد، وعلقمة
بن عبدة، وعمرو بن کلثوم، والحارث بن حِلّزة، وطرفة بن العبد، وأوس بن
حجر،
وأبوکبير الهذلي، وعامر بن الحُلَيس، وصخر الغي، والأخطل، والمهلهل،
والمرقش الأکبر،
والمرقش الأصغر، والشنفري، وتأبط شرا.
٥- المُغنّين والمُغنّيات
في الجنة: الغريض، ومعبد، وابن مسجح، وابن سريج، وإبراهيم
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ٢٠٣
الموصلي، وإسحاق الموصلي، وبصبص، ودنانير، وجرادتين.
ب- شعراء الجن: خَيتعُور من بني شَيصبان.
ه- الحيوانات في الجنة: الحية، والذئب، والأسد.
ومن الشخصيات العجيبة في جنة أبي العلاء، الأسد الذي يفترس حيوانات الجنة
وهو يتکلم بإذن الله ويشرح لابن القارح أنه يلتذ بافتراس وحوش الجنة
وإنها بعد
افتراسها تعود إلي الحياة لأن الموت والفناء لا وجود لهما في الجنة وهذا
من عجائب
فإذا هو بأسد يفترس من صيران الجنة وحسيلها فلا تکفيه هُنَيدة » رحمة
الله علي أهلها
ولاهِند- أي مائة ومئتان- فيقول في نفسه: لقد کان الأسد يفترس الشاة
العجفاء فيقيم
عليها الأيام لايطعم سواها شيئا. فيلِهم الله الأسد أن يتکلم – وقد عرف
ما في نفسه-
فيقول: يا عبدالله، أليس أحدکم في الجنة تُقدّم له الصَحفة وفيها البَهَط
والطريم مع النهيدة
فيأکل منها مثل عمر السموات والأرض يلتذ بما أصاب فلا هو مکتفٍ ولا هي
فانية
وکذلک أنا مفترس ما شاء الله فلاتأذي الفريسة بظُفر و لا ناب و لکن تجد
من اللذة
( المعري، ١٩٩٣ م، ٣٠٤ و ٣٠٥ ) «. کما أجد بلطف ربها العزيز
وفي مشهد آخر نري في جنة أبي العلاء، حية عالمة بعلم القراءات في روضة
مونقة
تلعب فيه الحيات التي يتعجب ابن القارح من تواجدها في الجنة أشد التعجب
وتتحدث
فتقول حية أخري: کنتُ أسکن في دار "الحسن » : الحية عن الحسن البصري
وقراءته
البصري" فيتلو القرآن ليلا فتلّقيتُ منه الکتاب من أوله إلي آخره،
فيقول .... کيف سمعتِه
يقرأ (فالق الإصباح) فإنه يروَي عنه بفتح الهمزة کأنه جمع صبح وکذلک
(بالعشي و
الأبکار) کأنه جمع بَکَر... فتقول: لقد سَمعتُه يقرأ هذه القراءة وکنتُ
عليها بُرهةً مِن الدهر
فلمّا تُوفّي – رحمه الله- انتقلتُ إلي جدار في دار "أبي عمرو بن
العلاء" فسمعته يقرأ
«...
فرَغِبتُ عن حروف من قراءة "الحَسَن" کهذين الحرفين
وکقوله "الأنجيل" بفتح الهمزة
(المصدر نفسه: ٣٦٧ و ٣٦٨ ) وهکذا تتحدث الحية عن القراءات کعالم لغوي
وعن رواية
الشعر کأديب وفي الحقيقة يشرح أبوالعلاء المعري آرائه في هذا المجال
علي لسان حية
في الجنة. ومن الطريف في هذا الجزء من رسالة الغفران أن هذه الحية تدعو
ابن القارح
إلي المنادمة والمعاشرة وتَعِدُه أنها تتحول بإذن الله إلي مثل أحسن
غواني الجنة لکن ابن
( القارخ يفضل الهروب من هذه الحية العجيبة. (المصدر نفسه: ٣٧٠ و
٣٧١
٢٠٤ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
الحوار
يحتل الحوار حيزا کبيرا من القصة في رسالة الغفران ومعظمه يتمحور حول
المناقشات
الأدبية واللغوية بين ابن القارح والشعراء في الجنة أو الجحيم. البطل
والحوار متلازمان
لأن البطل هو صاحب المبادرة في بدء الحوار مع من يلقاه وبالقدر الذي
يکشف به
الحوار عن الزوايا المتعددة للشخصية فإنه يکشف عن وجهات النظر المختلفة؛
ففي
أول مشهد قصصي يلتقي البطل باللغويين في أول مجلس ندامي وفي هذا اللقاء
الذي
اصطفي فيه البطل من ينادمه من هولاء العلماء يستمع إلي رواية بعضهم للأخبار
أو
الشعر دون أن يسأل أحدهم عن سبب الغفران کما يفعل عند الحوار مع الشعراء
وهذا
أمر له دلالته فدخول هولاء أمر مسلم به وهذا الأمر يکسبهم بشکل عام مکانة
أعلي
من مکانة الشعراء وهذا يکشف بدوره جانبا مهما من جوانب شخصية البطل وهو
مقيد بإرث محافظ يشده إلي هولاء اللغويين وهذا الأمر يمهد لتساؤلاته
المتتالية حول
القضايا اللغوية والنحوية والعروضية المثارة عند اللغوين في شعر هولاء
الشعراء کأنه
مخول بمتابعة الشعراء ومواجهتم بأخطائهم التي أخذت عليهم. (الروبي، ١٩٩٤
م: ٨٢
و ٨٣ ) وسؤال البطل: لِمَ غُفر لک يکشف عن الجانب السلطوي فالبطل يفرض
هيمنتها
علي أهل الجنة وتعطي نفسه حق السؤال عن سبب دخول الشعراء الجاهليين الذين
لم
يدرکوا الإسلام وعندما يقص البطل قصة دخوله الجنة يکشف لنا جوانب من
خصائصه
في الدنيا حيث کان ضعيف النفس، کثير الذنوب، قليل الحسنات، منافقا يتقرب
إلي
الملوک والرؤساء بمدحه لهم و مع أنه أعلن توبته قبيل موته لم يدخل الجنة
إلا بشفاعة
أهل البيت (ع) بعد مواجهة صعوبات کثيرة وإنه لم يتخلص من صفاته الدنيوية
مثلا
( يحادول أن يخدع خازن الجنة بإنشاد قصيدة في مدحه. (المصدر نفسه
: ٨٣ و ٨٤
الزمان
والزمان ليس محددا لأن أحداث القصة تجري في عالم الآخرة فمن الطبيعي
أن
الزمان هنا أطول من الزمان في الدنيا بکثير، علي سبيل المثال يتحدث ابن
القارح عن
«.
وکان مُقامي في الموقف مُدة ستة أشهر من شهور العاجلة »
: مدة وقوفه في المحشر هکذا
( (المصدرنفسه: ٢٦٢
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ٢٠٥
المکان
ينقسم مکان وقوع الأحداث إلي ثلاثة: الجنة والجحيم والمحشر. وتنقسم الجنة
إلي
جنة الإنس وجنة الجن. وجنة أبي العلاء، جنة بشر عاش أکثر عمره منعزلا
حبيسا
يجاهد أهواءه، فلم يطق أن يتمثل جنته هادئة تنعم بالسکينة والسلام بل
ملأها حرکة
وضجيجا ورقصا وغناء ونزهة وصيدا وصخبا ويعلو الصوت فيها حتي يصير صياحا
وصخبا وتعنف الحرکة حتي تصير عربدة ويحتدم الخصام حتي يئول إلي منافرة
وعراک
وهذه الحرکة الحسية لاتکاد تقاس إلي الحرکة النفسية العنيفة التي تجيش
بها نفوس أهل
جنته فهم لايبرأون من حنين وتشوف وانتظار وحذر واشفاق وعتاب وإغراء ونشوة
واشتهاء ووغيظ وغضب وتعيير وسخرية وخيبة وقهر ولأنه حرم علي نفسه کل
متع
الدنيا حشد في جنته کل ما خطر علي باله وتمثلته بشريته المحرومة المکبوتة
من صنوف
المتع الحسية والملاذ المادية وأسرف في ذلک حتي جاء بهذه المتع مشخصة
ممثلة. (بنت
( الشاطئ، ١٩٦٥ م: ٤٣٢
لايري المعري الجنة من وجهة نظر المفتي أو الواعظ الديني أو المرشد الروحي،
بل
يراها من وجهة نظر أديب لغوي شاعر يعيني أعمي محروم عن الطعام والشراب
والمرأة
وبعقل فيلسوف له موقفه الخاص في الحياة. (محبک، ١٤٢٠ ق: ١٧ ) يقيس المعري
الجنة
بمقاييس الدنيا کأنها مکان من أمکنة الدنيا لها مشارق ومغارب وهي ذات
نقاط بعيدة
وقريبة وفيها علو وسفول والصفات المکانية کالعلو والسفول لها دلالات
قيمية. (محبک،
( ١٤٢٠ ق: ١٩ و ٢٠
لايدخل المعري في تفاصيل الجحيم خلاف ما عمل في الإکثار من وصف نعيم
الجنة
فيطّلع فيري إبليس –لعنه الله- وهو يضطرب » بل يکتفي في وصف عذابها بصورة
کلية
المعري، ١٩٩٣ م: ) «. في الأغلال والسلاسل ومُقامعُ الحديد تأخذه من
أيدي الزبانية
و يسأل عن المرقش الأکبر فإذا هو به في أطباق » : ٣٠٩ ) أو في موضع آخر
يقول
( المصدرنفسه: ٣٥٩ ) «. العذاب
نهاية القصة
لانري نهاية حاسمة للقصة لأن العيش في الجنة والتمتع بنعماتها ولذاتها
لاتنتهي
٢٠٦ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
وأهل الجنة خالدون فيها ولهذا نري البطل الرئيسي لايزال يعيش هناک في
الرخاء
ويذکر – أذکره الله بالصالحات- ما کان » : والنعيم کيف يصفه المعري في
ختام قصته
يلحق أخا الندام من فتور في الجسد من المدام... ويتکئ علي مَفرش من سُندس
ويأمر
الحور العين أن يحملن المفرش فَيضعنه علي سرير من سُُرر أهل الجنة وإنما
هو زَبرجد
أو عَسجد... فکلما مرّ بشجرة نَضَخته أغصانها بماء الورد... وتُناديه
الثمرات من کل
أوب وهو مُستلق علي الظهر: هل لک يا أبالحسن... وأهل الجنة يلقونه بأصناف
التحية
و(آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)، لايزال کذلک أبدا سرمدا ناعما
في الوقت
(٣٧٧- المعري، ١٩٩٣ م: ٣٧٩ ) «. المتطاول مُنعّما لاتجد الغِيرُ فيه
مَزعما
البنية الفکرية والعقائدية
تعظيم أهل البيت (ع) والتوسل بشفاعتهم
من أهم ما نراه في قصة الغفران من المعتقدات، قضية الشفاعة والتوسل بأهل
البيت(ع)
وهي عقيدة شيعية لعبت دورا مهما في قصة الغفران، نري اين القارح بعد
فقده لصک توبته
في المحشر يتوسل بحمزة (ع) ولکنه يرشده إلي الإمام علي (ع). ثم يتوسل
ابن القارح
بفاطمة الزهراء (س). يقول المعري علي لسان ابن القارح کلمات تتصل اتصالا
وثيقا
فقلتُ إني کنتُ » . بمعتقداتنا حول منزلة أهل البيت (ع) في الدنيا والآخرة
وقضية الشفاعة
في الدار الذاهبة إذا کتبتُ کتابا وفرغتُ منه قلتُ في آخره: وصلي الله
علي سيدنا خاتم
النبيين وعلي عِترته الأخيار الطيبين وهذه حرمة لي و وسيلة. فقالوا ما
نصنع بک؟ فقلتُ
إن مولاتنا فاطمة –عليها السلام- قد دخلَت الجنة مُذ دهر وإنها تخرج
في کل حين مقداره
أربع وعشرون ساعة من الدنيا الفانية فتُسلّم علي أبيها وهو قائم لشهادة
القضاء ثم تعود
إلي مُستقرّها من الجنان فإذا هي خرجَت کالعادة فاسألوا في أمري بأجمعکم
فلعلها تسأل
أباها في. فلمّا حان وقت خروجها ونادي الهاتف: أن غضّوا أبصارکم يا أهل
الموقف حتي
( المصدر نفسه: ٢٥٧ ) «.( تعبر فاطمة بنت محمد (ص
اجتمع من » : ثم يصف مشهد عبور فاطمة الزهراء (س) وأبناء الرسول (ص)
بقوله
آل أبي طالب خلق کثير من ذکور وإناث مِمن لم يشرب خمرا ولا عَرف قَطّ
مُنکرا ...
وکان فيهم "علي بن الحسين" وأبناه "محمد" و"زيد"
وغيرهم من الأبرار الصالحين ومع
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ٢٠٧
فاطمة عليها السلام امرأة أخري تجري مجراها في الشرف والجلالة، فقيل
من هذه؟ فقيل:
"خديجة ابنة خويلد بن اسد بن عبد العزي" ومعها شباب علي أفراس
من نور فقيل
من هولاء: فقيل "عبدالله" و "القاسم" و"الطيب"
و "لطاهر" و"إبراهيم" بنو محمد (ص).
فقالت تلک الجماعة التي سألتُ: هذا ولي من أولياءنا قد صحّت توبتُه ولاريب
أنه من
أهل الجنة وقد توسّل بنا إليکِ صلي الله عليکِ في أن يراحَ من أهوال
الموقف ويصير
إلي الجنّة فَيتعجّلَ الفوزَ. فقالت أخيها ابراهيم: دُونَک الرجل. فقال
لي: تعلّق بِرِکابي.
وجعلت تلک الخيل تخلّل الناس وتنکشف لها الأمم والأجيال فلمّا عظُم الزحامُ
طارت
(٢٥٨- المصدر نفسه: ٢٦٠ ) «.( في الهواء وأنا متعلّق بالرکاب فَوَقَفت
عند محمد (ص
فلمّا خَلصتُ مِن تلک » : فشفع له الرسول الأعظم (ص) وحان أن يعبر الصراط
الطُموش، قيل لي: هذا الصراط فاعبُر عليه، فوجدتُه خاليا لاعَريبَ عنده
فَبلَوتُ نَفسي
في العبور فوجدتُني لا أستَمسِک. فقالت "الزهراء" صلي الله
عليها لجارية من جواريها:
يا فلانة أجيزيه، فجعلَت تُمارِسني وأنا أتساقط عن يمين وشمال.... فتَحمِلُني
وتجوز کالبرق
الخاطف. فلما جُزتُ قالت "الزهراء" عليها السلام: قد وهبنا
لک هذه الجارية فَخُذها
فلما صرت إلي باب الجنة قال لي رضوان: هل معک من «. کي تَخدُمک في الجنان
جواز؟ فقلت لا. فقال لاسبيل لک إلي الدخول إلا به. فَبعلِتُ بالأمر وعلي
باب الجنة
من داخل شجرة صفصاف، فقلتُ أعطني ورقة من هذه الصفصافة حتي أرجع إلي
الموقف فآخذ عليه جوازا. فقال لاأخرج شيئا من الجنة إلا بإذنٍ من العَلي
الأعلي
تقدس وتبارک... والتفت "إبراهيم" صلي الله عليه فرآني وقد
تخلّفتُ عنه فرجع إلي
فجَذبَني جَذبة حَصّلني بها في الجنّة، وکان مُقامي في المَوقف مُدةَ
ستة أشهر مِن شهور
( المصدر نفسه: ٢٦١ و ٢٦٢ ) «. العاجلة
وفي موضع آخر نري اين القارح يتکلم مع تميم بن اُبَي في الجنة ويسأله
عن کلمة في شعره
فيقول » :( لکنه يشرح في جوابه عن محاسبته حسابا شديدا لأنه کان من خصوم
الإمام علي(ع
تميم والله ما دخلتُ من باب الفِردَوس ومعي کلمة من الشعر ولا الرجز
وذلک أني حُوسِبتُ
حسابا شديدا وقيل لي: کنتَ فيمن قاتَلَ علي بن أبي طالب (ع) وانبري لي
النجاشي الحارثي
( المصدر نفسه: ٢٤٧ ) «... فما أفلَتَ مِن الَلَهب حتي سَفَعَني سفعات
٢٠٨ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
السخرية من صناعة الأدب والتکسب بالشعر
ومن الطريف في رسالة الغفران سخرية أبي العلاء من صناعة الأدب وما کان
يفعل
الأدباء من التقرب بالشعر من الملوک وتکسبهم به. فعلي سبيل المثال عندما
يحاول ابن
القارح أن يستعطف "رضوان" وينشد له قصائده، يسأله "رضوان"
متعجبا حول هذا الکلام
فقال: وما الأشعار فإني لم أسمع بهذه الکلمة قط إلا الساعة. فقلتُ الأشعار
جمع »؟ العجيب
شعر، والشعر کلام موزون تقبله الغريزة علي شرائط إن زاد أو نقص أبانه
الحس وکان أهل
العاجلة يتقربون به إلي الملوک والسادات فجئتُ بشئ منه إليک لعلک تأذن
لي بالدخول
المصدر نفسه: ٢٥٠ و ٢٥١ ) وفي موقف آخر نري "زُفَر" يسخر من
صناعة ) «. إلي الجنة
فقلتُ: رحمک الله کنا في الدار الذاهبة » ! الشعر عند العرب ويعتبره
من تعاليم الشيطان
نتقرّب إلي الرئيس والملِک بالبَيتين أو الثلاثة فنجد عنده ما نحب...فقال:
...وأحسب هذا
الذي تجيئني به قرآن إبليس المارد ولاينفُقُ علي الملائکة إنما هو لِلجانّ
وعَلّموه ولد آدم ...
فمِن أي الأمم أنت؟ فقلتُ من أمة "محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب"
فقال: صدقتَ، ذلک
نبي العرب ومِن تلک الجهة أتيتَني بالقريض لأن إبليس اللعين نفَثَه في
إقليم العرب فتعلّمَه
المصدر نفسه: ٢٥١ و ٢٥٢ ) وفي موضع آخر عندما يتکلم ابن القارح مع )
«. نساء ورجال
کانت صناعتي الأدب أتقرب به إلي الملوک فيقول: بئس » : إبليس ويسأله
إبليس عن مهنته
الصناعة إنها تَهَبُ غُفّةً من العيش لايتّسعُ بها العيالُ وإنها لمزلّة
بالقَدَم وکم أهلَکَت مِثلَک
( المصدر نفسه: ٣٠٩ ) «. فهَنيئاً لک إذ نَجوتَ
وفي موضع آخر يبدي ابن القارح عن أسفه وندمه من صناعة الأدب عندما يعزم
فَيهّم الشيخ... بأن يکتتب منه ثم يقول: لقد » علي اکتتاب أشعار الجن
ثم يندم بسرعة
شقيتُ في الدار العاجلة بجمع الأدب ولم أحظ منه بطائل وإنما کنتُ أتقرب
به إلي
الرؤساء فاحتلب منهم درّ بکيءٍ وأجهد أخلاف مصُور ولستُ بموفّق إن ترکتُ
لذات
المصدر نفسه: ٢٩٢ و ٢٩٣ ) ولاعجب من هذا ) «. الجنة وأقبلتُ أنتسخ آداب
الجن
الموقف ونعلم أن المعري کان منعزلا عن الناس والبلاطات والملوک بمدة
تسع وأربعين
سنة. فيضحک من الشعراء الذين يجعلون أدبهم في خدمة الدنيا وملوکها ويؤکد
علي أن
صناعتهم لاتنفعهم في الآخرة ومن جهة أخري يمدح الشعراء الذين استخدموا
أدبهم في
دراسة الطابع القصصي في رسالة الغفران / ٢٠٩
سبيل الدين والعقيدة.
ومن الطريف في رسالة الفغران موقف أبي العلاء من الرجز و شعرائه حيث
جعل
قصورهم في الجنة أقل شأنا من قصور الشعراء الآخرين لأن الرجز في رأيه
أقل شأنا
و يمرّ بأبيات ليس لها سُمُوق أبيات الجنة فيسأل عنه فيقال: هذه جنة
أهل » ومکانة
الرجز يکون فيها "أغلبُ بن بني عِجل"، "العَجّاج"،
"رُؤبة"،"أبوالنجم"، "حُمَيد الأرقط"،
"عُذافِر بن أوس"، "أبونُخَيلة" وکل من غُفر له مِن
تبارک العزيز الوهّاب. لقد صَدق
وإنّ الرجز لَمِن سَفساف « إن الله يحبّ مَعالي الأمور ويکرهُ سَفسَافها
» الحديثُ المروي
(٣٧٣- المصدر نفسه: ٣٧٥ ) «. القَريض، قَصّرتُم أيها النفَر فقُصِّر
بکم
النتيجة
بما أن رسالة الغفران ليست القصة بالمعني الذي نفهمه اليوم ولکنها تتمتع
بميزات
قصصية جديرة بالاهتمام ودرسناها الطابع القصصي فيها عبر بنيتين: البنية
القصصية
والبنية الفکرية والعقائدية. فالبنية القصصية في رسالة الغفران تتکون
من أکثر أجزاء
القصة کالسرد والحدث والبطل والحبکة والزمان والمکان. ونواجه السرد بنوعيها
الداخلي
والخارجي في رسالة الغفران؛ حيث السارد الداخلي ظهر في شخصية ابن القارح
مما جعل
ضمير المتکلم أو الغائب يظهر کثيرا علي لسانه والسارد الخارجي يمثله
أبوالعلاء وأنه
يتولي عملية الشرح والوصف. نري أکثر أجزاء الحبکة کالعقدة والصراع والتعليق
والأزمة
والحل. تنقسم الشخصيات إلي ثلاثة أقسام: الشخصيات الإنسانية وهم أهل
البيت (ع)
عدد الشعراء الجاهليين والمخضرمين واللغوين والنحاة من القرون الأولي
الهجرية. علاوة
علي الشخصيات الإنسانية نواجه شعراء الجن وبعض الحيوانات في الجنة.
تتمحور البنية الفکرية والعقائدية حول محورين أصليين: شفاعة أهل البيت
(ع)
والتوسل بهم للتخلص من أهوال المحشر حيث يصور المعري مکانة الإمام علي
(ع)
وفاطمة الزهراء (س) تصويرا يوافق معتقدات الشيعة حول شفاعة أهل البيت
(ع)
ويبدو أن مردّ الطعن بمعتقدات أبي العلاء يرجع إلي هذا إلي حدما. والمحور
الثاني
السخرية من صناعة الشعر والأدب التي لاتنفع في الآخرة إلا إذا کانت في
سبيل الله.
٢١٠ /
فصلية إضاءات نقدية، السنة ۳،
العدد ۹، ربيع ١٣٩۲ ش
تعليقات